خطبة الجمعة القادمة 19 مايو 2023م : سنن الله الكونية في القرآن الكريم ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 19 مايو 2023 م بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 29 شوال 1444هـ ، الموافق 19 مايو 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 19 مايو 2023م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 19 مايو 2023م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 19 مايو 2023م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 19 مايو 2023م بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم، للدكتور محروس حفظي :
(1) الأمرُ بالتفكرِ في آياتِ اللهِ الكونيةِ.
(2) موافقةُ الحقائقِ العلميةِ للقرآنِ الكريمِ والسنةِ الصحيحةِ.
(3) مقاصدُ الآياتِ الكونيةِ، وسبلُ الاستفادةِ منها في واقعِنَا المعاصرِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 19 مايو 2023م بعنوان : سنن الله الكونية في القرآن الكريم ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبة بعنوان: «سننُ اللهِ الكونيةُ في القرآنِ الكريمِ»
بتاريخ 29 شوال 1444 هـ = الموافق 19 مايو 2023 م
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 19 مايو 2023م
(1) الأمرُ بالتفكرِ في آياتِ اللهِ الكونيةِ.
لقد أنعمَ اللهُ – عز وجل- على بني آدمَ بنعمٍ عُظمَى سخرهَا لهم ليعرفُوه بها – سبحانه-، فيعبدُوه، ويقومُوا بمهمةِ الخلافةِ في الأرضِ، ويحققُوا الغايةَ التي مِن أجلِهَا خلقَهُم اللهُ -عز وجل-، ومِن أعظمِ هذه النعمِ نعمةُ العقلِ والتفكيرِ التي هي خاصيةٌ مِن خصائصِ الإنسانِ التي مُيِّزَ بها عن سائرِ الجماداتِ والعجماواتِ، وقد وردَ الأمرُ بالتفكرِ في كتابِ اللهِ – تعالى – في آياتٍ عديدةٍ سواءً التفكرُ في الآياتِ المتلوةِ، أو الآياتِ المشاهدةِ، أو آلاءِ اللهِ، أو سيرِ الأنبياءِ مع أقوامِهِم وعاقبةِ الفريقين، أو التفكرُ في الدنيا والآخرةِ أو غير ذلك، ونبَّه سبحانَهُ في مواضعَ كثيرةٍ مِن القرآنِ الكريمِ إلى أنَّ آياتهِ المتلوةَ والمشاهدةَ لا ينتفعُ بهَا إلّا أولو العقولِ النيرةِ والألبابِ الحيةِ قالَ تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾، وقال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾؛ لأنّ اللهَ – عز وجل- قد أودعَ في جميعِ الموجوداتِ ما يدلُّ على وجودهِ سبحانه، وقد أصابَ الشاعرُ لبيدُ بنُ ربيعةَ حيثُ قالَ:
فَيا عَجَباً كَيفَ يُعصى الإِلَهُ … أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ … تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ
وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحريكَةٍ … وَتَسكينَةٍ أَبَداً شاهِدُ
إنّ القرآنَ الكريمَ بسردهِ للآياتِ الكونيةِ يحثُّ الإنسانَ على التأملِ والنظرِ في بديعِ صنعِ اللهِ – سبحانه – في السماءِ والأرضِ ، والليلِ والنهارِ، والجبالِ والبحارِ، والرياحِ والأمطارِ، وخلقِ الإنسانِ والحيوانِ وسائرِ الكائناتِ، وأنّ أحدًا لا يمكنهُ حفظَ نظامِ الكونِ إلّا اللهُ – تعالى – العليُّ القديرُ قالَ ربُّنَا: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾، ومِن هنا نفقَهُ أنّ اللهَ – عزّ وجلّ- يدعُو عبادَهُ إلى التعرفِ عليهِ وعلى أسمائهِ وصفاتهِ وآثارِهَا مِن خلالِ طريقين: أحدهُمَا: النظرُ في آياتِ اللهِ المشاهدةِ في الآفاقِ والأنفسِ، وما فيها من العظمةِ والحكمةِ والرحمةِ والإتقانِ، والتي تدلُّ على خالقِهَا وعلى أسمائهِ وصفاتهِ، وقد جاءَ في القرآنِ الكريمِ ما لا يقلُّ عن “ثمانمائةِ” آيةٍ كونيةٍ، بل أوصلَهَا بعضُهُم إلى ما يربُو على “ألفِ آية” بالاضافةِ الى آياتٍ أُخرى تقتربُ دلالتهَا مِن الصراحةِ والتي تشكلُ في مجموعِهَا حوالِي “سدسِ آياتِ القرآنِ الكريمِ” مجتمعةً، وفي السنةِ النبويةِ “1744 حديثاً”، ولذا لمّا سُألت السيدةُ عائشةُ عن أعجب شيءٍ رأتهُ مِن رسولِ اللهِ ﷺ قالت: «لَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي قَالَ: يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي، قُلْتُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ، قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ، فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا، لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾»(ابن حبان وإسناده صحيح) .
ثانيهُمَا: النظرُ في آياتهِ المتلوةِ في كتابهِ العزيزِ قالَ تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾، وقال: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾، وقال: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾، وبذلك يكونُ القرآنُ الكريمُ قد جمعَ – مِن خلالِ خطابهِ – أذواقًا متنوعةً، وأساليبَ متعددةً، ومناهجَ مختلفةً – المنهجَ العاطفي ، الحسي، العقلي – في دعوةِ الإنسانِ إلى الإيمانِ به؛ إذ البشرُ تختلفُ طباعُهُم، وتتعددُ مشاربُهُم، وتختلفُ بيئاتهُم، فسبحان مَن دقتْ حكمتهُ كلَّ شيءٍ، فإذا كان الكونُ كتابَ المنظورِ فإنَّ القرآنَ كتابَ المقروءِ أو المسطورِ .
وقد استخدمَ القرآنُ الكريمُ أيضًا أسلوبَ الإستفهامِ التوبيخي؛ ليلفتَ الأنظارَ إلى بعضِ المخلوقاتِ في الكونِ، وما احتوتْ عليه مِن دلائلِ الربوبيةِ، وبدائعِ الصنعةِ الإلهيةِ فقالَ تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ﴾، وقال أيضًا: ﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ .
كما فتحَ رسولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمامَ العقلِ البشرِي آفاقًا متعددةً للتفكرِ في هذا العالمِ الفسيحِ الذي لا نِهايةَ لهُ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ:«تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ اللَّهِ، وَلَا تَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ« (الطبراني والسخاوي وقال:«أسانيدُهَا ضعيفةٌ، لكن اجتماعُهَا يكتسبُ قوةً، والمعنى صحيحٌ»)، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: «تَفَكَّرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا تَفَكَّرُوا فِي ذَاتِ اللَّهِ»(قال ابن حجر:«مَوْقُوفٌ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ». فتح الباري 13/ 383) .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 19 مايو 2023م
(2) موافقةُ الحقائقِ العلميةِ للقرآنِ الكريمِ والسنةِ الصحيحةِ.
إنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ – عز وجل – والكونَ خلقُ اللهِ سبحانه، ولا يمكنُ أنْ يتعارضَ كلامُهُ وخلقُهُ، قال تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾، هذا ما يجبُ على كلِّ مسلمٍ أنْ يعتقدَهُ ويدينَ بهِ، ولا يُحَمِّلَ القرآنَ كلَّ نظريةٍ علميةٍ تظهرُ، فهو لا يصادمُ أيّ حقيقةٍ ثابتةٍ إلّا إذا أخطأَ الناسُ في فهمِ الآيةِ القرآنيةِ أو جهلُوا الحقيقةَ العلميةَ؛ لأنَّه لا تعارضَ بينَ القرآنِ والعلمِ مطلقًا، قال تعالى: ﴿وَبِالحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالحَقِّ نَزَلَ﴾، وإذا تعارضتْ النظريةُ مع صريحِ معنَى آيةٍ فيهِ، حكمنَا ببطلانِهَا مع الوثوقِ بأنّ المستقبلَ سيكشفُ للعلماءِ عن فسادِهَا، وسيجدونَ كما نجدُ جدةَ القرآنِ دائمةً لازمةً كما يقولُ أحمد شوقي في نهجِ البردةِ:
جاءَ النبِيونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَتْ = وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ = زيَّنَهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ
يَكادُ في لَفظَةٍ مِنهُ مُشَرَّفَةٍ = يوصيكَ بِالحَقِّ وَالتقوى وَبِالرحِمِ
يا أَفصَحَ الناطِقينَ الضادَ قاطِبَةً = حَديثُكَ الشهدُ عِندَ الذائِقِ الفَهِمِ
حَلَّيتَ مِن عَطَلٍ جِيدَ البَيانِ بِهِ = في كُلِّ مُنتَثِرٍ في حُسنِ مُنتَظِمِ
بِكُلِّ قَولٍ كَريمٍ أَنتَ قائِلُهُ = تُحييِ القُلوبَ وَتُحييِ مَيِّتَ الهِمَمِ
إن المستقرىءَ لآيِ الذكرِ الحكيمِ يجدُ أنّ المتعلقَ منها بالعقيدةِ والأخلاقِ قد جاءتْ بصيغةٍ محكمةٍ، واضحةِ الدلالةِ، جليةِ المعنى لا تحتملُ إلّا وجهًا واحدًا؛ إذ الشرائعُ السماويةُ تتفقُ في الأصولِ، وتختلفُ في الفروعِ، أمّا الآياتُ الكونيةُ فقد جاءتْ بصياغةٍ مجملةٍ موجزةٍ معجزةٍ يفهُم منها أهلُ كلِّ عصرٍ معنَى مِن المعانِي يتناسبُ مع ما توافرُ لهم فيه مِن إلمامٍ بالكونِ وعلومهِ، وتظلُّ هذه المعاني تتسعُ باستمرارٍ مع اتساعِ دائرةِ المعرفةِ الإنسانيةِ في تكاملٍ لا يعرفُ التضادَ حتى تبقَى الآيةُ القرآنيةُ مهيمنةً على المعرفةِ الإنسانيةِ مهما اتسعتْ دوائرُهَا، وسيبقى القرآنُ الكريمُ كما أنزلَهُ اللهُ – تعالى – محفوظًا في الصدورِ والسطورِ ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، جديدًا على مرِّ الأيامِ والعصورِ «لَا تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ» (الترمذي، وإسناده ضعيف) .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 19 مايو 2023م
(3) مقاصدُ الآياتِ الكونيةِ، وسبلُ الاستفادةِ منها في واقعِنَا المعاصرِ.
إنّ الناظرَ والمستقرءَ لتلك الآياتِ الكونيةِ يجدُ أنَّ ثمةَ مقاصدَ تتفتقُ عنها ولذا يمكنُ الاستفادةُ منها في واقعِنَا المعاصرِ في وجوهٍ شتَّى منها:
إعمالُ العقلِ، ولفتُ الانتباهِ إلى مظاهرِ القدرةِ الإلهيةِ؛ للاهتداءِ إلى الخالقِ جلّ وعلا: إنّ المقصدَ مِن إشارةِ القرآنِ لبعضِ الآياتِ الكونيةِ المرتبطةِ بالعلومِ التجريبيةِ ليعملَ الإنسانُ فكرَهُ وعقلَهُ في الآياتِ الكونيةِ فيقودَهُ ذلك إلى إفرادِ اللهِ بالعبادةِ، قالَ تعالى: ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾، وقالَ تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، فهو لم يجعلْ تلك العلومَ الكونيةَ مِن موضوعهِ؛ لأنّه كتابُ هدايةٍ وإعجازٍ، وإذا ذُكِرَ فيه شيءٌ مِن الكونياتِ فإنّما ذلك للهدايةِ ودلالةِ الخلقِ على الخالقِ، وللاستدلالِ بها على توحيدِ اللهِ تعالى، وأحقيتهِ بالعبادةِ، أو للدلالةِ على حكمٍ تشريعِي، أو على إثباتِ إمكانيةِ البعثِ، وحمايةِ الشبابِ والفتياتِ مِن الوقوعِ في براثنِ الإلحادِ نتيجةَ قلةِ الإيمانِ، وضعفِ اليقينِ.
لقد كان النبيُّ ﷺ يتفاعلُ مع تلك الآياتِ الكونيةِ كالكسوفِ والخسوفِ؛ خوفًا مِن اللهِ عز وجل، فكذلك كان ﷺ إذا حدثتْ ريحٌ، أو رأىَ في السماءِ سحابةً فيها رعدٌ وبرقٌ، يتغيرُ وجههُ مِن الخوفِ؛ خشيةَ أنْ يكونَ في ذلك عذابٌ مِن اللهِ مِن جنسِ ما أصابَ قومَ عادٍ فعَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ، قَالَ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ، قَالَتْ: وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ، تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ، سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ، يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ (رواه مسلم) .
قال الإمامُ النوويُّ: (في الحديث الِاسْتِعْدَادُ بِالْمُرَاقَبَةِ لِلَّهِ وَالِالْتِجَاءِ إِلَيْهِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَحُدُوثِ مَا يخاف بسببه وَكَانَ خَوْفُهُ ﷺ أَنْ يُعَاقَبُوا بِعِصْيَانِ الْعُصَاةِ، وَسُرُورُهُ لِزَوَالِ سَبَبِ الْخَوْفِ، وفيه تذكرُ ما يذهلُ المرءُ عنه مِمّا وقعَ للأممِ الخاليةِ، والتحذيرُ مِن السيرِ في سبيلهِم خشيةً مِن وقوعِ مثلَ ما أصابَهُم، وفيه شفقتهُ ﷺ على أمتهِ ورأفتهِ بهم كما وصفَهُ اللهُ تعالى) أ.ه ، ومِن ثَمّ فعلَى المسلمِ أنْ يكونَ دائمًا بينَ الخوفِ والرجاءِ.
*فقهُ السننِ الكونيةِ والاجتماعيةِ في البشرِ: لا شكَّ أنّ الآياتِ الكونيةَ تلفتُ أنظارَ المخاطبين وعقولَهُم إلى النظرِ والاعتبارِ والتبصرِ في أحوالِ المجتمعاتِ الغابرةِ، والكشفِ عن أسرارِ هذا الكونِ العجيبِ، وقوانينهِ التي يسيرُ وفقهَا، وطرقِ هذه القوانين في الأنفسِ والآفاقِ كما قال ربُّنَا: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ * وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، ومِن هنا يستقرُّ في الوجدانِ الإيمانُ بالتعدديةِ، وأنّ الاختلافَ في الدينِ واللونِ والجنسِ والعرقِ واللغةِ هي حكمةٌ لمشيئةٍ إلهيةٍ، خلقَ اللهُ – تعالى – البشرَ عليها, وجعلهَا أصلًا ثابتًا تتفرعُ عنه حريةُ الاعتقادِ، وعدمُ إكراهِ الناسِ على دينٍ بعينهِ، قالَ تعالَى: ﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ .
إنّ السننَ الإلهيةَ في الحياةِ البشريةِ دقيقةٌ كلَّ الدقةِ، صارمةٌ منتظمةٌ أشدَّ الانتظامِ، لا تحيدُ ولا تميلُ، لا تحابي ولا تجاملُ، ولا تتأثرُ بالأمانِي وإنَّما بالأعمالِ وهي في دقتِهَا وانتظامِهَا وجديتِهَا كالسننِ الكونيةِ سواءً بسواءٍ قالَ ربُّنَا: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾
فالذي يطلبُ الأسبابَ ليخرجَ إلى التقدمِ والازدهارِ على غيرِ بصيرةٍ وهدى لا يُزادُ إلّا بُعدًا وخزلانًا، ولن يفهمَ التاريخَ، فيعرفَ عواملَ البناءِ والاستقرارِ، والهدمِ والخوفِ والبوارِ، فهي بمثابةِ طوقُ النجاةِ مِن ﴿ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ .
والناظرُ في تاريخِ علماءِ العربِ يجد أنّهم لمّا التزمُوا بقيمهِ العقليةِ، ومنطلقاتهِ العلميةِ حققُوا ما لم يحققْهُ أحدٌ قبلَهُم، كما أفادَ منهم مَن جاءَ بعدَهُم وبخاصةٍ الأوروبيين الذين استثمروا ما ترجمَ الى لغاتهِم مِن ناحيةٍ وما صححَهُ وأبدعَهُ علماءُ المسلمين مِن ناحيةٍ ثانيةٍ في نهضتهِم الحديثةِ، يقولُ المؤرخُ غوستاف لوبن: (وكلّمَا أمعنَّا في دراسةِ حضارةِ العربِ والمسلمين وكتبهِم العلميةِ واختراعاتهِم وفنونهِم ظهرتْ لنا حقائقُ جديدةٌ، وآفاقٌ واسعةٌ، ولسرعان ما رأيتَهم أصحابَ الفضلِ في معرفةِ القرونِ الوسطى لعلومِ الأقدمين، وإنَّ جامعاتِ الغربِ لم تعرفْ لها مدةَ خمسةَ قرونٍ موردًا علميًّا سوى مؤلفاتهِم، وإنّهم هم الذين مدَّنُوا أوربا مادةً وعقلًا وأخلاقًا، وإنّ التاريخَ لم يعرفْ أمةً أنتجتْ ما أنتجوهُ في وقتٍ قصيرٍ، وأنّه لم يَفُقْهُم قومٌ في الابتداعِ الفني، وقد كان لهم الأثرُ البالغُ في الشرقِ والغربِ، وهم الذين فتحُوا لأوربا ما كانت تجهلهُ مِن المعارفِ العلميةِ والأدبيةِ والفلسفيةِ، وقد ظلتْ ترجماتُ كتبهِم لا سيِّما الكتبِ العلميةِ مصدرًا وحيدًا للتدريسِ في جامعاتِ أوربا خمسةَ أو ستةَ قرونٍ، فعَلى العالمِ أنْ يعترفَ للعربِ والمسلمين بجميلِ صنعهِم) أ.ه .
*إثباتُ صدقِ الرسولِ ﷺ: القرآنُ الكريمُ مليءٌ بالكثيرِ مِن الحقائقِ العلميةِ التي تتناولُ الكونَ والحياةَ والإنسانَ والخلقَ، ولو كان القرآنُ مِن قولِ النبيِّ ﷺ لما جازفَ بسوقِ هذه الآياتِ الكثيرةِ؛ لأنَّه سيكونُ قد وضعَ نفسَهُ في مأزقٍ عظيمٍ حينئذٍ، ويتركُ الأمرَ الذي جاءَ به برمتهِ عرضةً للصدفةِ تصدقهُ أو تكذبهُ, وهو كان بلا شك في غنَى عن ذلك, بأنْ يصمتَ عنه منذُ البدايةِ, لا أنْ يملأَ به صفحاتٍ كثيرةً؛ لدرجةِ لن تجدَ الصدفةَ معه صعوبةً في الإيقاعِ بإحدى قضاياه المطروحةِ؛ لتكذبهَا فتسقطَ قضيتهُ كاملةً، وصدقَ ربُّنَا حيثُ قال على لسانِ نبيِّهِ: ﴿وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ .
لقد عاشَ رسولُنَا ﷺ في بيئةٍ لا تتوفرُ فيها سوى بعضِ الإمكانياتِ البدائيةِ في كلِّ أمورِ الحياةِ، ومع ذلك علَّمَ ﷺ الدنيا بأسرِهَا فنونَ الحضارةِ والمدنيةِ دونَ أنْ يكونَ له معلمٌ يجلسُ بينَ يديهِ ليتلقّى عنهُ تلك المعارفِ المتنوعةِ، وصدقَ اللهُ حيثُ قالَ: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، وقد كان المشركون يتصيدون له التهمَ، ويلقونهَا جزافًا، وأقامُوا حروبًا متطاولةً ضدّهُ ﷺ ومع ذلك لم يجرؤا أنْ يتهموهُ في هذا الجانبِ الذي هو أيسرُ مِمّا بذلوهُ في محاربتهِم لهُ ﷺ .
إنّ الآياتِ الكونيةَ والحقائقَ العلميةَ هي التي قادتْ الكثيرَ مِن مفكري وعلماءِ الغربِ إلى أنْ يجهروا بالحقِّ في هذا المضمارِ – والحقُّ ما شهدتْ بهِ الأعداءُ – تقولُ الباحثةُ البولونيةُ “ستشيجفسكا”: إنَّ القرآنَ الكريمَ مع أنّه أنزلَ على رجلٍ عربِىٍّ أُميٍّ نشأَ في أمةٍ أميةٍ، فقد جاء بقوانين لا يمكنُ أنْ يتعلمَهَا الإنسانُ إلّا في أرقى الجامعات، كما نجدُ في القرآنِ حقائقَ علميةً لم يعرفْهَا العالمُ إلّا بعدَ قرونٍ طويلةٍ” أ.ه .
وقد توصلَ كثيرٌ منهم إلى الإيمانِ بالقرآنِ الكريمِ نتيجةَ الآياتِ الكونيةِ التي اشتملَ عليها، ومِن هؤلاء الطبيبُ الفرنسِي موريس بوكاي حيثُ يقولُ: “لقد أثارتْ الجوانبُ العلميةُ التي يختصُّ بها القرآنُ دهشتِى العميقة، في البدايةِ لم أكنْ اعتقدُ قط بإمكان اكتشافِ عددٍ كبيرٍ إلى هذا الحدِّ مِن الدعاوى الخاصةِ بموضوعاتٍ شديدةِ التنوعِ، ومطابقتهِ تمامًا للمعارفِ العلميةِ الحديثةِ، ذلك في نصِّ كتبٍ منذُ أكثرَ مِن ثلاثة عشر قرنًا، في البدايةِ لم يكنْ لي أيُّ إيمانٍ بالإسلامِ، وقد طرقتُ دراسةَ هذه النصوصِ بروحٍ متحررةٍ مِن كلِّ حكمٍ مسبقٍ وبموضوعيةٍ تامةٍ، لقد أذهلتنِي دقةُ بعضِ التفاصيلِ الخاصةِ بهذه الظاهرات، أذهلتنِي مطابقتُهَا للمفاهيمِ التي نملكُهَا اليوم عن نفسِ هذه الظاهراتِ والتي لم يكن ممكنًا لأي إنسانٍ في عصرِ مُحمدٍ ﷺ أنْ يكونَ عنها أدنى فكرةٍ عنها، كيف يمكنُ لإنسانٍ – كان في بدايةِ أمرهِ أميًّا – أنْ يصرحَ بحقائقَ ذاتِ طابعٍ علمِي لم يكن في مقدورِ أيِّ انسانٍ في ذلك العصرِ أن يُكِّونهَا، وذلك دون أنْ يكشفَ تصريحَهُ عن أقلِّ خطأٍ مِن هذه الوجهةِ؟” أ.ه .
فيا حبّذَا لو أخذَ الداعيةُ تلك الآياتِ الكونيةَ وسيلةً لجذبِ القلوبِ، والعروجِ بها نحو الحقِّ، والتمسكِ به في ظلِّ تخبطِ بحورِ الظلماتِ، وتقلبِ الشهواتِ، ومنهجًا لإبطالِ كثيرٍ مِن الشبهاتِ التي يثيرهَا أعداءُ الإسلامِ ضدَّهُ، وقد هيأَ اللهُ – عز وجل – للإنسانِ مِن وسائلِ العلمِ والمعرفةِ ما يجعلهُ أهلاً لتلقِّي أوامر اللهِ تعالى، وتنفيذِ وصاياه، وهداهُ لإدراكِ مواطنِ صلاحهِ، واجتنابِ مواضعِ فسادهِ، قالَ تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾، فهل من معتبر ؟!
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنّه أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر بأسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف